يحلو للبعض تشبيه الحلم بشريط الوسادة السينمائي فهو كفيلم تشاهده ، لكنك بدلاً من أن تكون متفرجاً سلبياً عليه فقد تكون أحد الشخصيات التي تشارك فيه وتلعب دوراً في صنع قصته فتعيش تفاصيل أحداثه إلى حد قد يخرج عن القوانين الفيزيائية المألوفة أو المنطقية كأن تجد نفسك تحلق في السماء أو تكون في مواجهة مع كائنات مخيفة أو غريبة أو حتى موتى ، أو تكون شاهداً على حادثة سارة أو كارثية تهدد معارفك أو أقاربك ، وحينما يتحول الحلم إلى كابوس يكون أشد وقعاً على نفسك من مجرد مشاهدة فيلم رعب لأنك عندما تشاهد فيلم رعب تدرك مسبقاً أنه مجرد تمثيل غايته زرع الخوف في نفسك فتتقبل هذا التحدي وتشاهده بمتعة (إقرأ عن سيكولوجيا الرعب) ولن يطالك منه شيء إلا إذا راودتك الهواجس بعد مشاهدته فتحولت إلى سلسلة من الكوابيس التي تقض مضجعك ليلاً وتنغص حياتك.
والأحلام أيضاً هي الشاشة الخفية التي نرى منها حقيقة أنفسنا دون رتوش وبعيداً عن رقابة المجتمع وسيطرته ،هي مفتاح الشخصية الحقيقي الذي يفك أسر الذات، ولطالما إنعكست رغباتنا وأمنياتنا وقلقنا في الأحلام التي نشاهدها، في هذا المقال سنتعرف على الأحلام من خلال الإجابة عن أكثر الأسئلة شيوعاً عنها ( الإجابات تستند إلى أبحاث في الأحلام قام بها الباحثان آدم شنايدر و جي. ويليام دومهوف من جامعة كاليفورنيا الامريكية ) :
1- ما هو الحلم ؟ وماذا نعني بكلمة "حلم " ؟
تملك كلمة "حلم" 4 معان مترابطة تتبع إحداها الأخرى وعندما نجمعها معاً تؤلف ما نطلق عليه اسم "الحلم".
المعنى الأول
الحلم شكل من أشكال التفكير الذي يحدث عندما :
أ- يكون نشاط الدماغ في أدنى مستوى له (لم يتم تحديد ذلك المستوى حتى الآن).
ب- تكون المؤثرات الخارجية Stimuli محجوبة عن دخول العقل.
ج - يكون نظام نطلق عليه "نظام الذات" (الأنا) متوقفاً عن العمل ويبدو أن وصفه بالغ التعقيد، لكنه سمي علىهذا النحو لأن الحلم لا يقتصر حدوثه عندما نكون في حالة النوم بل من الممكن أيضاً أن يحدث في بعض الأحيان حينما نكون في أقصى حالات الاسترخاء من اليقظة، فننجرف فجأة لندرك بأننا كنا في حلم، حيث بينت دراستين متأنيتين حدوث أحلام خلال فترة اليقظة وذلك وفقا لمعايير التخطيط الدماغي.
المعنى الثاني
"الحلم" هو شيء نختبره لأن التفكير أثنائه يكون حاضراً وحقيقياً جداً فيستغل استخدامنا لحواسنا خصوصاً حاستي الرؤية والسمع بسبب كوننا الشخصية الرئيسية الفاعلة فيه عادة ولأن الحلم في أيضاً يلامس مشاعرنا بقوة بعض الأحيان وليس دائماً.
المعنى لثالث
الحلم" هو ما نتذكره في الصباح ، لذلك هو "ذاكرة" تجربتنا الحلمية.
المعنى الرابع
يمكن لـ "الحلم" أن يعني أيضاً ذلك التقرير المكتوب أو المنطوق الذي نخبر به الأخرين حوله ، هذا التقرير هو السبيل الوحيد لإطلاع أي شخص آخر حوله (لأنه لا يمكن للآخرين أن يروا أو يسمعوا ما حدث أثنائه أو في أوقات حدوثه). وهكذا يمكننا باختصار القول بأن "الحلم" تقرير عن ذكريات تجربة معرفية حدثت في ظروف معينة أتى أغلبها في حالة تسمى "النوم". وببساطة هو مسرحيات درامية مصغرة أنتجتها عقولنا خلال الفترة التي لم يسمح لنا فيها "نظام الذات" من تنبيه العالم من حولنا.
2- لماذا نحلم ؟ وهل للأحلام وظيفة أو "غرض" ؟
لا توجد أي إجابة محددة على هذا السؤال ، ولا أحد يعرف على وجه اليقين وظيفة الأحلام.
3- متى نحلم غالباً وكيف ؟
يحلم معظم الناس الذين تزيد أعمارهم عن 10 سنوات من 4 إلى 6 مرات في الليلة الواحدة خلال مرحلة من النوم تسمى حركة العين السريعة REM (هي سمة مميزة لهذه المرحلة من النوم) حيث تصبح أدمغتنا في تلك المرحلة نشطة كما هي أثناء اليقظة وإن لم يكن جميعها . تترواح فترة مرحلة REM من 5 حتي 10 دقائق وذلك في الفترة الأولى منها وتأخذ أيضاً وقتاً يترواح من 30 إلى 34 دقيقة في وقت لاحق من الليل وهكذا يبدو أن الأحلام تأخذ نصف ساعة أو أكثر على الأرجح.
وتتوفر أيضاً أدلة على حدوث الحلم في فترة خارجة عن مرحلة حركة العين السريعة REM، في غضون ساعة أو ساعتين تسبق الإستيقاظ حينما يكون الدماغ نشطاً أكثر بالمقارنة مع ذي قبل خلال الليل ولهذا السبب ذكرنا أننا نحلم من 4 إلى 6 مرات في الليلة الواحدة على الأقل.
ومن الجدير بالذكر أيضاً أننا نمر أحيانأً بلحظات تشبه الحلم خلال اليقظة ويحدث ذلك حينما نكون في حالة استرخاء ذهني ولا نتنبه خلالها لأي شيء يجري من حولنا كما بينته دراستين مختلفتين أجريت على أناس كانوا مستيقظين في غرف شبه مظلمة حيث كان يجري تنبيههم على فترات عشوائية ليخبروا عن ما يأتي في ذهنهم وكان الباحثون قد علموا بيقظتهم من خلال رصد نشاط موجات الدماغ EEG. وهذا يدل إلى أننا من الممكن أن نحلم في أي وقت ما دام الشروط التالية قد استوفيت وهي :
- الوصول إلى مستوى مناسب من تنشيط الدماغ .
- حجب أي مؤثرات خارجية.
- اغلاق نظام الوعي الذاتي الذي يساعد في تركيز أذهاننا خلال يقظتنا.
ملاحظة
النتائج المذكورة أعلاه تشير الى ما يحصل مع اشخاص تفوق أعمارهم عن 10 سنوات، وذلك لأن اثنين من الدراسات المهمة أشارتا إلى أن الأحلام لا تحدث مع الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 10 سنوات إلا بنسبة 20 ٪ من فترات REM حركة العين السريعة الخاصة بهم.
يمكننا القول باختصار أننا يمكن أن نحلم خلال مرحلة REM وخارجها وحتى خلال اليقظة، وكذلك يمكن أن تخلو مرحلة REM من الأحلام.
4- هل تحوي كل الأحلام على معان خفية ؟
لا يوجد إجابة محددة لهذا السؤال ، بعض الناس يقولون نعم ولكن لا نملك طريقة تثبت أنهم على حق أو على خطأ. وقد تحتوي بعض الأحلام معان "خفية" بشكل مرمز، وللأسف يكون الكثير منها مجرد أحلام دنيوية تعكس أحداث أيامنا التي نعيشها.
5- لازال ذلك الحلم يعيد نفسه مراراً ، فهل هناك ما يستوجب قلقي ؟
لا ، معظم الناس لديهم أحلام متكررة من نوع واحد أو آخر. وعلاوة على ذلك ، هناك تكرار بمحتوى الأحلام أكثر مما يتوقعه معظم المنظرين.
6- لدي حلم أرى فيه نفسي مُطارد أو أتعرض لهجوم فما الذي يحصل هنا ؟
لا أحد يعرف على وجه اليقين ، والجميع تقريباً لديهم مثل تلك الأحلام .
7- هل تتأثر الأحلام بالمخاوف أو الإجهاد أو أي عوامل أخرى ؟
بالتأكيد، غالباً ما تعبر الأحلام عن اهتماماتنا ومشاغلنا الحالية ويعرف ذلك بـ "فرضية الاستمرارية" ، فإذا كنت متوتراَخلال تحضيرك للإمتحانات النهائية فقد ترى أحلاماً متوترة عن نفس الموضوع ، ولكن الأحلام لا تعبر دائماًعن الانشغالات السلبية ، فإذا كنت مولع بشخص ما فمن المحتمل أنك ستحلم به ، وإذا كنت من محبي كرة السلة فمن المرجح أنك أكثر عرضة للحلم بها مقابل شخص لا يمارس هذه الرياضة.
8- هل تؤثر الادوية على الاحلام ؟
تساهم الأدوية غالباً في جعل الأحلام أكثر رعباً ووضوحاً كما حدث عند تناول مادة L-DOPA (دواء يستخرج من الأعشاب ويستخدم في علاج الحالات النفسية) من قبل الذين يعانون من مرض الشلل الرعاش (باركنسون) ومع ذلك لا توجد دراسات موسعة عن كيفية تأثير تلك الأدوية على محتوى الحلم.
9- هل تحلم الحيوانات أيضاً ؟
ليس هناك إجابة مؤكدة، كل ما يمكننا قياسه هو تحديد فيما إذا كان للحيوانات أيضاً مرحلة حركة العين السريعة REM خلال النوم التي لها صلة سواء قوية أو ضعيفة بظهور الأحلام ، لدى جميع الثدييات مرحلة REM خلال النوم ولكن هذا لا يثبت أنها تحلم فعلاً. فالبشر لا تحلم دائماً خلال مرحلة REM
10- هل يحلم الكفيف ؟ وإن كان يحلم كيف تكون أحلامه ؟
نعم ، يحلم من فقد نعمة البصر ، وهذا شهادة على قوة الطبيعة المرئية للأحلام عند معظم الناس .
11- ماذا تشبه أحلام الأطفال ؟
إذا كان علينا الوثوق بالدراسات التي أجريت على أطفال في مختبرات النوم حيث يتم إيقاظ الأطفال طوال الليل فإن أحلام الأطفال أقل حدوثاً وأكثر لطفاً مما تقترحه الصورة النمطية الشائعة.
لكن الأطفال في الصف 5 هم على الارجح أفضل الحالمين. لكن الأحلام التي جمعت في مختبر النوم تختلف جداً عن تلك الأحلام التي تذكروها في منازلهم وربما يكون ذلك عائد إلى شعورهم بأنهم مراقبون في المختبر.
لكن الأطفال في الصف 5 هم على الارجح أفضل الحالمين. لكن الأحلام التي جمعت في مختبر النوم تختلف جداً عن تلك الأحلام التي تذكروها في منازلهم وربما يكون ذلك عائد إلى شعورهم بأنهم مراقبون في المختبر.
12- لماذا لم يعد بإمكاني تذكر الأحلام ؟
لا توجد إجابة محددة .
13- لماذا يسهل جداً نسيان الأحلام ؟
من المرجح أن كل واحد منا ينسى 95-99 ٪ من أحلامنا وذلك لسبب بسيط جداً وهو أننا ننام خلالها فلا نولي اهتماماً لتذكر أي شيء. ويشبه أحد الباحثين في الأحلام ذلك بالقول :" كنت تفعل شيئاً لا يأخذ الكثير من التركيز منك مثل قيادة السيارة في طريق مفتوح فلا تتنبه لما تقوم به من حركات تلقائية لا تفكر بها " .
14- ماذا لو حدث إفراط في حدوث الأحلام لدى الشخص ،أو أنها لم تحدث على الإطلاق ؟
في الحالات التي نذكر فيها إفراط في حدوث الأحلام أو في الحالات التي لا نتمكن فيها من تذكر أي حلم على الإطلاق قد يكمن خلل في التوازن الكيميائي. فمن المعروف أن الناس تبلغ الأخصائيين عن زيادة كبيرة في حدوث الاحلام كنتيجة لتأثير بعض الادوية ، حيث تكون تلك الاحلام جلية وواضحة جداً ومخيفة في بعض الأحيان.
15- لِم يبدو أن الأطفال الصغار لا يتذكرون العديد من الاحلام ؟
هناك دليل مستند إلى دراسة أكثر من 1000 حالة إستيقاظ خلال مرحلة REM في ظروف المختبر توضح أن الأطفال الذين تقل أعمارهم فقط عن 9 سنوات لا يحلمون كثيراً . يدعي بعض الناس أن أطفالهم تحلم كثيراً على أساس أنها تجعلهم يحركون شفاههم (تمتمة) أثناء النوم ولكن هذا قد يكون مجرد "كلام نومي" SleepTalking والتي يظنها الناس خطأ أنها دلالة على حدوث أحلام . فجميعنا لدنا عدد من فترات الإستيقاظ القصيرة والتي لا تستغرق ثوان معدودة كل ليلة ونتمتم فيها ولا نتذكرها في الصباح.
16 - هل تنبئ الأحلام عن المستقبل؟
لحد الآن لا يتوفر دليل علمي معتبر يدعم أي تلك المزاعم الباراسيكولوجية عن الأحلام مثل الإستبصار أو التخاطر مع أن هناك الكثير من التجارب الواقعية حولها (إقرأ عن الأحلام التنبؤية ) .
16 - هل يمكن أن يحدث الموت أثناء الحلم ؟
لا ، أو بالأحرى يكون الموت أقل إحتمالاً أثناء حلمك مقارنة مع وقت آخر . وهناك إشاعة مفادها : "إذا وجدت نفسك ميتاً في الحلم فإنك ستموت بالفعل " هي إشاعة زائفة تماماً، في الواقع يمكن أن تكون بعض أحلام "الإحتضار" تجارب سارة بالفعل.
17 - هل هناك قائمة موحدة للرموز المشاهدة في الأحلام ؟ وما هي معانيها ؟
مع أن هناك العديد من الكتب التي ذكرت تلك القوائم من الرموز ومعانيها ككتاب "ابن سيرين " فإنه يوجد لكل منا تفسيره الخاص لتلك الرموز، ومازال العلماء ينظرون إليها بتشكك إذ لم تجرى دراسات مقنعة حولها ، حتى أن بعض الباحثين لا يعتقدون أن رموز الأحلام تمويهاً لرغبات مكبوته أو محرمة كما زعم فرويد واضع أسس علم النفس.
وأخيراً ...من الواضح أن الكثير من الأسئلة حول الأحلام زالت تبحث عن إجابات ، على عكس الظواهر الأخرى الماوارئية التي يعيشها عدد قليل من الناس فإن تجربة الحلم مر بها كل البشر ، وسيبقى الحلم لغزاً من أهم ألغاز النفس البشرية.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire